أحببتُ أن أجمع بعضا من الدروس التي نتعلمها من الجو الإيماني في شهر رمضان والتي يفوتنا الكثير منها بعده ، فأصغوا إلي بقلوبكم ، وشاركوني في انتقاء دروسا أخرى ولنأخذ بأيدي بعضنا ونتعاون على مرضاة الله..
أول تلك الدروس..
- الاحتساب .. كما صمتِ رمضان إيمانا واحتسابا ، وقمت لياليه إيمانا واحتسابا ، فهما شرطان في كل عبادة وفي أي لحظة : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) [البينة : 5] ، فاجعلي صيامك تطوعا بعد رمضان إيمانا واحتسابا ، وقيامك بعده إيمانا واحتسابا ، وطلبكِ للعلم وأمركِ بالمعروف ونهيكِ عن المنكر وصبرك وحسبتك وجهادك ، ونفقتك وكل عملك وطاعتك إيمانا واحتسابا / فالاحتساب هو لب الإخلاص وروح القربات ، فهو فريضة الدهر ، لا مناسبة الشهر.
- الصوم جنة .. وحصن حصين من الأعداء ، ولازلتِ محاطة بالأعداء من الإنس والجن من كل جانب ، بل ومن شيطانك وهواكِ ونفسك التي بين جنبيك ، فهل تأمننوا علىا نفسكِم من الأعادي لو غادرتِم حصن الصيام بقية شهور العام..؟
- الصـــلاة .. حافظتِم عليها بخشوعها ، وأتممتِم –فيما نظن- ركوعها وخشوعها ، وتلك الصلاة قد شرعت لذكر الله ( وأقم الصلاة لذكري ) [طه : 14] ، فهلا أبقيتِم على ذكركم لله في كل أيام الله ، فإقامة الصلاة وإتمامها ليس موقوتا بالصيام بل الصلاة التامة عمود الإسلام طيلة العام (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) [النساء: 103] .
- قيام الليل .. قيامكِم طوال الشهر في الصلاة مع الإمام مهما استرسل وأطال ، حجة عليكِم بأن لكِ القدرة على طول القيام ، فلا تقصروا فيه سائر العام ، فهو شرف المؤمن.
- ختم القرآن .. ختمتِم القرآن مرة أو أكثر من مرة في رمضان ، وهذا إنصاف لنفسكم من الوقوع في هجران القرآن ، فإذا عزفتِم عن الشواغل وفرغتِم انفسكِم لهذا الإنجاز .. هلا عزمتِم على صرفها عنكِم مرات أخر للإكثار من (تحزيب القرآن) في سائر الأيام؟!
- حافظتِم بقدر استطاعتكم على قلبكِم وعقلكِم ، فصمتِم بهم عن غوائل الهوى النزاعة للشوى ، وصتنتِم سمعكِم وبصركِم وفؤادكِم عن الحرام في شهر الصيام ، لكن صيام تلك الجوارح عن الحرام لا نهاية له بغروب شمس أو بهلال عيد ، فصيام السمع والبصر والفؤاد عن الحرام شريعة الله في سائر العام : (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) [الإسراء : 36] .
- الإمساك مِلاك الأخلاق .. تخلقتِم بأخلاق الإسلام في رمضان ، وكنتِم تقولون لمن سابكِم أو شاتمكِم (إني امرؤ صائم) فهلا علمكِ الصيام أن ذلك الإمساك هو مِلاك الأخلاق في سائر الأيام ، وأن حسن الحلق هو أثقل شيء في الموازين ، ودليل الكمال في إيمان المؤمنين؟!
- أرحامكم .. إخوانكم .. جيرانكم .. أهل بيتكم : أحييتم صلتهم في رمضان ، فلا تعدوهم في الموتى بعد رمضان ، فالصيام يحيي في الشهر الكريم لوصلهم ، ليظل الوصال حيّا سائر الأيام.
- كنتِم في شهركِم جوادون كرماء ، لأن الشهر الكريم علمكِم الكرم ، ولكن ربكِ الحي الذي لا يموت هو العلي الأكرم ، الجواد الأعظم ، فعاملوا عباده بما تحبون أن يعاملوكم به من الجود والكرم ، فعساه يجود عليكِم بنعيم الجنان ويرحمكِم من لهيب النيران.
- عهدناكم حيى حيية في شهر الصيام ، فخذوا على نفسكِم العهد أن تبقي على عهد الحياة والحياء بعد شهر الصيام ، فعسى أن يكون هذا العهد توبة من الله عليك وتوفيقا وذخرا لديك ، فإذا أبرمتِم ذلك العهد فإياكِم والنكث : (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) [الفتح: 10] ، واحذروا أن تقومواا بنقض العهد ربع منافقة ، فخصال المنافقين الأربع إحداهن نقض العهود وهو أقبح الأنواع وأسوأ الضروب التي ذكر بها المنافقون في القرآن : (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) [التوبة : 75 – 76] . فماذا كانت عاقبة ذلك النكث ..؟ (فأعقبههم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) [التوبة : 77].
- بمثل ما استقبلتِم به رمضان (استقبال المودعين) بالطاعة ، فودعوه وداع المستقبلين للشهور التي تتلوه بالطاعة ، فكلها أيام الله ، ونحتاج لإعمارها بما عمرنا به شهر الصيام، وتعظيم الله فيها كما عظمناه في رمضان .
- عاهدوا الله بالمحافظة على الطاعات ، وأنتِم في نهاية موسم الطاعات فقد كان نبيك –صلى الله عليه وسلم- يعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار ، فيقول في دعائه المسمى (سيد الاستغفار) : "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت